جحوظ العين والغدة الدرقية

تتجلى حكمة وعظمة الخالق في حماية العين حيث تقع مقلة العين داخل تجويف عظمي في الجمجمة يسمى الحجاج, وتحيط بها العظام من كل جانب لحماية العين ثم وضع وسادات من الدهون ما بين العظام ومقلة العين حتى تتحرك العين بحرية وتمتص الدهون تأثير أي حركة أو أي إصابة موجهة للعين تماماً كما يمتص (المساعدون) تأثير حركة السيارة أو اصطدامها بالمطبات.

وتتجلى الحكمة أكثر في طريقة وضع العين داخل التجويف العظمي, فلو كانت العين تماماً داخل التجويف لقل مجال الرؤية ولأصبحت حركة العين محدودة ولكن وضع الله العين خارج التجويف بنسبة معينة لزيادة مجال الرؤية وحرية حركة العين, وتختلف هذه النسبة بين الرجال والنساء وبين أجناس البشر المختلفة فهي في الجنس الأسود (الأفريقي) أكثر منها في الأبيض (الأوربي) وتبلغ أقل الدرجات في الجنس الأصفر (الأسيوي) وتبلغ في الرجال حوالي 18 مم وفي النساء حوالي 16 مم. وعندما تزيد هذه النسبة أكثر من 2مم عن الطبيعي تظهر العين أكثر وهو ما يسمى بجحوظ العين.
 

وتوجد أسباب عديدة لحدوث جحوظ العين مثل الآتي:

كبر حجم مقلة العين ذاتها مثل حالات قصر النظر الشديد أو حالات المياه الزرقاء الخلقية وفي هذه الحالة يسمى ذلك الجحوظ الزائف.

الأورام التي تصيب أنسجة الحجاج وتدفع العين للأمام.

اضطرابات الغدة الدرقية.

وتعتبر اضطرابات الغدة الدرقية هي السبب الأول لحالات جحوظ العين في كل الأعمار وتصيب النساء أكثر من الرجال بنسبة 1:3 وما بين عمر 20 حتى 50 عاماً.
وتؤدي اضطرابات الغدة الدرقية إلى اختلال في إفراز الغدة في أغلب الأحيان مما ينتج عنه زيادة في نشاط الغدة وسرعة في النبض وفقدان للوزن رغم الأكل الزائد والعصبية الشديدة وعدم الرغبة أو قلة ساعات النوم ورعشة باليدين, كما تؤدي الاضطرابات إلى تكوين الجسم لأجسام مضادة ضد الأنسجة الموجودة بالحجاج حول العين مما يؤدي إلى تضخم هذه الأنسجة فتتضخم عضلات العين والدهون المحيطة بالعين مما يؤدي إلى جحوظ مقلة العين وتورم الجفون العلوية والسفلية.

كما يؤدي تضخم عضلات العين إلى عدم القدرة على تحريك العين في بعض الاتجاهات مسبباً ازدواجاً في الرؤية وقلة حركة الجفون مما يقلل من رمشة العين التي تظهر في صورة واسعة مما يعطي المريض شكل الدهشة أو الاستغراب, كما يؤدي ذلك مع جحوظ العين إلى فقدان القدرة على غلق الجفون, وبالتالي تصبح العين أقل قدرة على حماية نفسها وتتعرض القرنية لخطر التقرحات والعتامات.

أما في الحالات الشديدة فيؤدي تضخم العضلات إلى الضغط على أوردة وشرايين العين مما يؤدي إلى احتقان شديد بهما مع ارتفاع الضغط داخل العين خصوصاً مع حركة العضلات المتضخمة وفي بعض الحالات إلى تورم بالعصب البصري بل وفقدان الرؤية.

ورغم العلاقة المباشرة بين جحوظ العين واضطرابات الغدة الدرقية, إلا أن بعض الحالات يحدث بها الجحوظ وضعف الإبصار بدون وجود أي خلل ملحوظ أكلينيكياً في وظائف الغدة الدرقية, مما يجعل من مهام طبيب العيون المتخصص كشف اضطراب الغدة بإجراء التحاليل المناسبة للوصول إلى تشخيص سليم.

وقد لوحظ وجود علاقة مباشرة ما بين التدخين الإيجابي أو السلبي وحدوث المرض ومضاعفاته الشديدة.

 

 


ومن الشائع أن علاج الغدة يؤدي إلى تحسن في حالة العين, وهذا غير صحيح فقد ثبت أن علاج الغدة خصوصاً باستخدام الجراحة أو الأشعاع يؤدي في أحيان كثيرة إلى ازدياد المتاعب بالعين نتيجة تكوين كمية كبيرة من الأجسام المضادة وانتشارها في الدم من أثر الجراحة أو الأشعاع ولذا يجب الانتباه إلى حالة العين بواسطة الطبيب المتخصص وبالتعاون مع طبيب الغدة الدرقية قبل اللجوء إلى أي علاج للغدة.

وتبدأ مرحلة العلاج بالتشخيص السليم للمرض عن طريق الفحص الأكلينيكي وقياس درجة جحوظ العين بجهاز خاص مع إجراء فحص بالموجات فوق الصوتية أو الأشعة المقطعية لتحديد درجة تضخم العضلات ثم عمل فحص خاص للعصب البصري وقياس ضغط العين.

ويفضل إجراء تحليل للكشف عن الأجسام المضادة المسئولة عن جحوظ العين لتحديد مستواها ومتابعتها مع العلاج, وقد تم تقسيم المرض في العين إلى 6 درجات أقلها هي الدرجة الأولى وبها مجرد ضعف في حركة الجفون وأكثرها الدرجة السادسة حيث يتأثر العصب البصري وتبدأ مرحلة فقدان الإبصار.

 

 


وعادة يبدأ العلاج بالتنسيق بين طبيب العين وطبيب الغدة فيتم أولاً استخدام قطرات لحماية العين والقرنية مع بعض الأدوية التي تقلل من ضغط العين ثم يتم استخدام مشتقات الكورتيزون في الحالات الأكثر خطورة لتقليل درجة تضخم العضلات مع الحرص على عدم استعمال هذه الأدوية لفترات طويلة لتقليل المضاعفات مثل قرحة المعدة وهشاشة العظام كما يجب على المريض والمحيطين به الامتناع عن التدخين بكافة أنواعه.

ولعلاج ضعف حركة الجفن أو عدم إغلاق العين أصبح يتم استخدام أسلوب جديد يعتمد على تقوية هذه العضلات تحت مخدر موضعي وبنسب متفاوتة يتم تحديدها مع المريض نفسه أثناء تقوية العضلة كما يتم شفط وإزالة الدهون المتضخمة حول العين أثناء تقوية العضلات وبدون اللجوء للتخدير العام كما كان يتم سابقاً.

أما في حالات الجحوظ الشديدة أو في حالة تأثر العصب البصري فيكون ضرورياً التدخل الجراحي لإعادة العين إلى مكانها السليم داخل عظام الحجاج, وهذا التدخل يتم الآن بدون أي فتح خارجي, ولكن من داخل الجفن نفسه وبدون أي آثار واضحة أو ندب ويخرج المريض من المستشفى في غضون 24 ساعة, كما يستخدم هذا الأسلوب أيضاً في علاج حالات ازدواج الرؤية إذا فشلت النظارات الطبية التي تستخدم أولاً.

 

 


وعادة ما تستمر الحالة في مرحلة عدم استقرار لمدة تتراوح ما بين عامين إلى 3 أعوام ثم تبدأ في الاستقرار وانتظام  إفراز الغدة الدرقية. وتظهر كفاءة الطبيب في اختياره الوقت السليم لنوع العلاج المستخدم فمشتقات الكورتيزون تحدث تأثيراً أفضل في فترات عدم الاستقرار بينما قد تحدث تأثيراً عكسياً في فترات الاستقرار والعكس صحيح في حالات الجراحة التي يفضل استخدامها في فترات استقرار المرضى.