العيون الصناعية المتحركة

هل يمكن زرع عين؟ وما هي بنوك العيون؟

سئوال متكرر يسمعه طبيب العيون يومياً خاصة عندما يواجه بمريض فقد الإبصار نهائياً وأصبح الطب عاجزاً عن إعادة الإبصار له...

والإجابة هي للأسف لا... لا يمكن زرع عين كاملة حتى الآن وبنوك العيون هي في حقيقة الأمر بنوك للقرنية, فالطب حتى الآن لم يستطع توفير بديل للعصب البصري وهمو أهم الأجزاء المسئولة عن الرؤية... يمكننا زرع قرنية من متوف... يمكننا زرعة عدسة صناعية بديلة عن عدسة العين وبنجاح... يمكننا تعويض القزحية بمواد صناعية.. هناك بعض التجارب لزراعة شبكية صناعية إلكترونية والبدايات مشجعة ولكن هذا هو أقصى ما وصل إليه العلم حالياً.

إذن ماذا نفعل عندما يفقد شخص الإبصار؟ وما هي العيون الصناعية المتحركة؟

عندما يفقد شخص الإبصار يحدث أحد ثلاث احتمالات:ـ

أولاً: أن تحتفظ العين بشكلها وحركتها وهذا يحدث في الكبار خصوصاً إذا لم تكن العين قد تعرضت لإجراء جراحات بها ولكنه قليل الحدوث في الأطفال.

ثانياً: أن يحدث ضمور بالعين ويقل حجمها وترتخي الجفون وقد يؤدي ذلك إلى التأثير على نمو عظام الحجاج والوجه.

ثالثاً: أن يتغير شكل العين ويصبح مشوهاً كأن تبيض القرنية أو يحدث حول وحشي شديد وتصبح العين مصدر ألم مزمن وهذا ما يطلق عليه عين فاقدة للأبصار ومؤلمة Blind Painful.

وفي الحالة الأولى لا يتم التدخل ويكتفي بمتابعة الحالة دورياً مع استخدام قطرات ملطفة ومضادة للألتهابات. أما في الحالتين الثانية والثالثة فيجب على الطبيب التدخل لمنع حدوث أي تشوهات خصوصاً في الأطفال ولإصلاح الشكل خاصة في مرحلة الشباب وعند الفتيات وهنا يأتي دور العيون الصناعية المتحركة... فما هي قصتها؟

العيون الصناعية:

البداية كانت بعد الحرب العالمية الثانية ومع حدوث إصابات متعددة بالجنود كان البديل الأساسي هو إخفاء العين خلف نظارة سوداء أو عصابة سوداء مثل موشي ديان, ثم بدأت الأبحاث لزرع جهاز تعويضي بديل عن العين لا يرى طبعاً ولكنه يتحرك ويبدو شكلاً مثل العين وأجريت محاولات عديدة اصطدم أغلبها بظاهرة رفض الجسم وأنسجة الحجاج لوجود جسم غريب داخل تجويف الحجاج, وبالتالي تم الاكتفاء باستخدام عدسة زجاجية خارجية توضع فوق العين وهي ما يسمى بالعين الزجاجية ولم تكن على المستوى المطلوب من حيث الشكل وكانت تؤدي إلى التهابات متكررة بالملتحمة وإفراز صديدي في بعض الأحيان.

وفي منتصف الثمانينيات تم اكتشاف أن التركيب الكيميائي للشعب المرجانية الموجود في البحار مماثل بصورة كبيرة للتركيب الكيميائي لعظام الإنسان بحيث يمكن زراعة الشعب المرجانية داخل تجويف الحجاج وقبول الجسم لها بل والتئامه بها وتزويدها بالشعيرات الدموية اللازمة.

وكانت هذه نقطة التحول التي مهدت الطرق لزراعة العيون الصناعية المتحركة.

فعندما يكون شكل العين غير طبيعي فإنه يمكن إزالة الأجزاء الميتة من العين أو الأجزاء الضامرة واستبدالها بجهاز تعويضي من الشعب المرجانية وتوصيل هذا الجهاز بعضلات العين لتوفير الحركة له. وبعد عدة أسابيع من الجراحة وعندما يتأكد الطبيب من استقرار الجهاز التعويضي يتم عمل عدسة زجاجية من مواد بلاستيكية معينة تماثل في الحجم واللون عين المريض السليمة ويتم وضع هذه العدسة أمام الجهاز التعويضي الذي تم توصيله بالعضلات فتتحرك العدسة وتبدو أقرب ما تكون إلى العين السليمة.

وهذا هو المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه فكرة زراعة العين الصناعية المتحركة فهي عين من حيث الشكل وليس الوظيفة... وصناعية ومتحركة لأنه تم توصيلها بعضلات العين.
ومنذ بدء استخدام الشعب المرجانية تم إجراء الآلاف من هذه العمليات للمرضى وبنسبة نجاح عالية جداً ونظراً لارتفاع تكاليف الشعب المرجانية فقد تم تصنيعها معملياً تماماً كما قام اليابانيون بزراعة اللؤلؤ الصناعي في المعامل بديلاً عن اللؤلؤ الطبيعي.

فقد تم تصنيع الشعب المرجانية في المعامل وبنفس التركيب الكيميائي فقلت تكاليف العملية وأصبحت متوفرة أكثر ولكل المرضى وفي كل البلدان كما تم تحديث وتطوير المواد التي تستخدم في صنع العدسات الخارجية وأصبحت أكثر ليونة وأصغر حجماً لتصبح أكثر حركة بل تم استحداث مادة جديدة هلامية (مثل الجيلي) يمكن حقنها داخل الملتحمة أمام الجهاز التعويضي فتتشكل مثل شكل العين ثم يتم تلوينها بلون العين السليمة وهي شديدة الليونة وسهلة الحركة.

العين الصناعية المتحركة في الأطفال:

عندما نواجه بهذا الموقف في الأطفال أو عندما نضطر إلى إزالة العين بالكامل في الأطفال نتيجة بعض الأورام السرطانية تصبح المشكلة مضاعفة فنحن نحتاج لعين صناعية قابلة للنمو حتى تنمو عظام وأنسجة الحجاج بطريقة سليمة... فما هو الحل؟

هناك عدة بدائل يمكن استخدامها في الأطفال:

أولاً
: أن يتم زرع عين صناعية متحركة ويتم وضع عدسة خارجية كما في الكبار ثم تستبدل العدسة الخارجية بأخرى أكبر في الحجم كل عدة شهور حتى تتناسب مع النمو ويمكن استخدام هذا الأسلوب بعد سن 7-8 سنوات وبنسبة نجاح حوالي 70%.

ثانياً: أن يتم زرع جهاز تعويضي خاص بالأطفال متصل بجهاز آخر تتم زراعته تحت فروة الرأس, ويمكن عن طريقه حقن الجهاز التعويضي كل عدة شهور بمادة تزيد من حجمه وهذه الطريقة فعالة للغاية ولكنها مكلفة حيث أن ثمن الجهاز حوالي 3 آلاف دولار ويحتاج لإعادة الحقن كل عدة شهور بالعمليات وتحت مخدر عام مما يزيد التكلفة.

ثالثاً: أن يتم الاستعاضة عن الجهاز التعويضي بزرع جزء من أنسجة جدار البطن أو اعلى الفخذ داخل أنسجة الحجاج وبالتالي نضمن نموها بصورة طبيعية مع نمو الطفل ثم توضع العدسة الخارجية أمامها ولكن في هذه الحالة تصبح الحركة ضعيفة للغاية.

وأخيراً... فمن المؤكد أنه كلما تقدم العلم وكلما استمر الإنسان في محاولة الوصول للأفضل فسيأتي اليوم الذي نستطيع الإجابة فيه عن السؤال هل يمكن زرع عين؟ ونقول نعم.