ارتخاء الجفون

 

ارتخاء أو سقوط أو انكسار الجفون العلوية Ptosis

هو أكثر أنواع أمراض الجفون حدوثاً في مصر في الصغار والكبار.

والمقصود بارتخاء الجفن العلوي هو سقوط الجفن بحيث يغطي جزءاً من القرنية أو القزحية أكثر من الطبيعي... ففي الشخص الطبيعي عادة ما يغطي الجفن العلوي حوالي 1.5مم – 2 مم من القرنية فقط وبحيث تصبح المسافة ما بين حافة الجفن العلوي وحافة الجفن السفلي حوالي 11 مم وهو ما يعرف باسم فتحة العين.

وإذا ما قلت هذه المسافة عن 10 مم نتيجة هبوط الجفن العلوي ينشأ ما يسمى بارتخاء الجفن العلوي... ويمكن طبياً قياسه بطريقة أكثر دقة تعتمد على قياس المسافة ما بين حافة الجفن العلوي ومنتصف القرنية أو الحدقة وهي في الطبيعي 4.5 مم فإذا قلت عن ذلك يصبح الجفن مرتخياً وهذه الطريقة أكثر دقة طبياً وتساعد على اختيار نوع العلاج لكل حالة.

وارتخاء الجفون قد يصيب عيناً واحدة أو العينين معاً... وقد يكون متساوياً في الدرجة بين العينين أو يصيب إحدى العينين بدرجة أكثر من مثيلتها... ويمكن تقسيم ارتخاء الجفون إلى عدة أنواع أهمها:

ارتخاء الجفون العلوية الخلقي عند الأطفال:

هو أكثر العيوب الخلقية التي تصيب عيون الأطفال بعد انسداد القناة الدمعية الخلقي وتبلغ نسبته حوالي 1-2% ويزيد في حالات زواج الأقارب بنسبة 3 أضعاف ويمكن تقسيمه إلى نوعين أساسيين:

ارتخاء الجفون البسيط:

وفي هذه الحالة تكون العين والجفون سليمة تماماً ولا يعاني الطفل إلا من ارتخاء الجفون سواء في عين واحدة أو في العينين وهذه هي أبسط الحالات وأكثرها حدوثاً وأكثرها استجابة للعلاج.

ارتخاء الجفون المعقد:

وفي هذه الحالة يكون هناك عيوب خلقية أخرى في العين أو في الجفون أو في الوجه مصاحبة للارتخاء مثل الحول الرأسي أو الحول الوحشي أو عدم اكتمال نمو الجفون أو زيادة في المسافة ما بين العينين أو وجود وصلات عصبية غير طبيعية ما بين الجفون وعضلات الوجه الذي يسمى متلازمة أو ظاهرة "ماركوس- جان".

وهذه الحالة تحتاج إلى فحوص خاصة وقد تحتاج إلى أكثر من طريقة للعلاج حتى تتحقق النتيجة المرجوة وهناك حالات أكثر تعقيداً من حالات ارتخاء الجفون حيث يكون الارتخاء مصحوباً بعيوب خلقية في المخ أو القلب.

وتعتبر ظاهرة "ماركوس- جان" Marcus- Gunn Phenomenon من أهم هذه الحالات وتمثل حوالي 5% من حالات ارتخاء الجفون عند الأطفال وعادة ما تصيب عينا واحدة حيث تكون هناك وصلة عصبية غير طبيعية ما بين عضلة الجفن العلوي وعضلات الفك بحيث يكون الجفن مرتخياً في الوضع العادي ولكن عند تحريك عضلات الفك مثلاً أثناء الرضاعة أو تناول الطعام تتحرك عضلة الجفون وتقوم برفع الجفن إلى أعلى.

ويؤدي ارتخاء الجفن العلوي في الأطفال إلى ضعف النظر وعدم نمو العين بطريقة سليمة لعدة عوامل هي:

أولاً: إذا كانت درجة الارتخاء شديدة وكان الجفن يغطي كل القرنية أو كل الحدقة مما يمنع دخول الضوء وتكوين صورة على الشبكية.
هنا يجب ملاحظة أن نمو العين في فترة الطفولة يحدث من الولادة وحتى سن 3-4 سنوات حيث يتم تكوين مراكز الإبصار في المخ وبعد ذلك يتوقف نمو هذه المراكز بحيث أن أي إصلاح للارتخاء بعد هذا السن لا يصاحبه أي تحسن في مستوى النظر.

وكانت هذه أحد أهم اكتشافات العلم الحديث في مجال العيون والإبصار, وقد حصل عالمان قاما بإثبات ذلك على جائزة نوبل في الطب.

والجدير بالذكر أن مركز الإبصار في المخ يتبع المثل القائل من شب على شئ شاب عليه فإذا كانت العين أو الجفون تعاني من ضعف ما أثناء النمو ولم يتم تصحيحه أو علاجه مبكراً فإن نمو مراكز الإبصار سوف يتم على هذا النحو ولن تستطيع تعديله لاحقاً حتى إذا تم علاج ضعف العين بعد سن 3-4 سنوات.

وقد أصبحت هذه الفترة تسمى بالفترة الحرجة التي يتم فيها تكوين مراكز الإبصار وهذا ينطبق على ارتخاء الجفون أو المياه البيضاء أو الزرقاء في الأطفال وقد أدى هذا الاكتشاف إلى حدوث طفرة في علاج هذه الأمراض عند الأطفال حيث اتضح أن الرأي القديم القائل بتأخير العلاج إلى سن الدراسة 6 سنوات يؤدي إلى ضعف الإبصار وعدم قدرة مراكز الإبصار بالمخ على الاستفادة من العلاج الذي يصبح بعد انقضاء هذه الفترة الحرجة مقصورا على تحسين الشكل ولكنه لا يؤدي إلى استعادة البصر المفقود حتى لو كانت العين تبدو سليمة.

ثانياً: إذا كانت درجة الارتخاء متوسطة فإن وزن الجفن العلوي على سطح العين يؤدي إلى تغيير في تحدب القرنية... تماماً مثلما يؤدي وضع القدم على كرة مملوءة بالهواء إلى تغيير استدارة الكرة... وبالتالي يحدث مرض الاستجماتيزم حيث تكون استدارة العين في الاتجاه الرأسي مختلفة عنها في الاتجاه الأفقي وهذا هي السبب في تكوين الصورة بطريقة غير متوازنة أو صحيحة على الشبكية وبالتالي نمو مراكز الإبصار بالمخ بطريقة غير متوازنة.

وقد تم اكتشاف هذه الظاهرة باستخدام جهاز تضاريس القرنية أو جهاز طبوغرافيا القرنية الذي يظهر درجة تحدب القرنية في مختلف الاتجاهات, وبالتالي يجب أيضاً علاج هذه الحالات قبل اكتمال نمو مراكز الإبصار خلال الفترة الحرجة خاصة إذا كان الارتخاء في عين واحدة لمنع حدوث فرق بين قوة الإبصار أو شكل تكوين الصورة بين العين السليمة والعين المصابة بالارتخاء.

ثالثاُ: إذا كانت درجة الارتخاء بسيطة والارتخاء موجوداً في العينين فيمكن الانتظار حتى سن بداية الدراسة أي سن السادسة.. وإذا كان الارتخاء في عين واحدة فيفضل التدخل أثناء الفترة الحرجة من النمو أي 3-4 سنوات... وفي جميع الأحوال يجب العلاج قبل دخول الطفل المدرسة في سن 6 سنوات حفاظاً على تركيبته النفسية أمام زملائه.

وأخيراً يجب معرفة أنه في حوالي 20% من الحالات والتي يلاحظ فيها الوالدان وجود الارتخاء في عين واحدة فقط تكون العين الأخرى مصابة أيضاً بالارتخاء ولكنه كامن ويظهر فقط عند اصلاح العين الأولى ويجب اكتشاف ذلك بفحوص معينة قبل إجراء التدخل الجراحي حتى لا بفاجأ الوالدان بظهور ارتخاء العين الأخرى بعد إصلاح العين الأولى.

ويتم الآن علاج جميع أنواع ارتخاء الجفون العلوية في الأطفال جراحياً مع تطور أساليب الجراحة والأدوات المستخدمة ومع استحداث أنواع خاصة من الخيوط الجراحية التي تستخدم في الأطفال... وهناك العديد من العمليات التي يمكن اجراؤها للأطفال.

ويعتمد اختيار نوع العملية على عدة عوامل أهمها درجة الارتخاء ودرجة الضعف الموجودة في عضلة الجفن... ويتم قياس درجة الارتخاء بحساب المسافة من حافة الجفن العلوي إلى منتصف الحدقة وهي 4.5 مم ويتم تصنيف الارتخاء إلى بسيط إذا كانت المسافة 4.5-3 مم, أو متوسط 3-2 مم, أو شديد إذا كانت أقل من 2مم... كما يمكن قياس درجة قوة عضلة الجفن بقياس المسافة التي يستطيع الجفن الحركة فيها من أسفل إلى أعلى وهي في الطبيعي 18-16مم, فإذا كانت أقل من 12 مم فالعضلة ضعيفة, أما إذا كانت أقل من 4 مم فالعضلة شديدة الضعف ولا يمكن تقويتها.

وبعد معرفة قوة العضلة ومقدار الارتخاء يمكن اللجوء إلى تقوية عضلة الجفن في الحالات البسيطة والمتوسطة وفي بعض الحالات الشديدة إذا كانت قوة العضلة جيدة أو متوسطة.


وتكون هذه العملية مصحوبة بنسبة عالية من النجاح تبلغ 86% ويمكن إجراء التقوية على مرحلة واحدة أو مرحلتين وهذه التقوية يمكن اجراؤها بدون فتح خارجي في الجفن وتعود العين بعدها إلى حالتها الطبيعية.

أما في الحالات الشديدة والتي تكون قوة العضلة فيها ضعيفة أو شديدة الضعف فهنا يجب اللجوء إلى الاستعانة بعضلات أخرى لمساعدة عضلة الجفن في رفع الجفن, ويتم في هذه الحالة الاستعانة بعضلة الحاجب لرفع الجفن مع زرع وصلة ما بين عضلة الجفن وعضلة الحاجب.

ويتم اختيار نوع الوصلة من بين بديلين:

البديل الأول: وصلة طبيعية من أنسجة الفخذ وهنا يستلزم الأمر عمل فتحة حوالي 3سم في فخد الطفل ثم أخذ الوصلة وزرعها في أنسجة الجفن وتمتاز هذه الطريقة بالتأكد من قبول أنسجة الجفن للوصلة المزروعة حيث أنها جزء من أنسجة المريض ذاته أما ما يعيب هذه الطريقة فهي وجود جرح في الفخذ وطول مدة العملية.

أما البديل الثاني: فهو زرع وصلة صناعية ما بين عضلة الجفن وعضلة الحاجب, وتمتاز هذه الطريقة بسهولتها وقصر مدة العملية وعدم وجود جرح بالفخذ. أما ما كان يعيبها فهو وجود نسبة محتملة من عدم قبول (رفض) من أنسجة الجفن للوصلة الصناعية ومع التطور العلمي تم التغلب على هذه المشكلة باستخدام وصلة مصنوعة من مادة Gortex ( الجورتكس) وهذه المادة هي إحدى نتائج عملية غزو الفضاء والصعود إليه فمنذ بداية الصعود إلى الفضاء عكف العلماء على التوصل إلى مادة يستخدمها رواد الفضاء أثناء السفر ويرتدونها بدون أن تتسبب في أي مشاكل وتكون خاملة ويتقبلها جسم الإنسان وبعد سنوات من التجارب والأبحاث تم التوصل إلى تركيبة هذه المادة بحيث تصبح أقرب ما تكون إلى تركيبة جسم الإنسان وبالتالي يمكن قبولها بأقل درجة من الرفض داخل الجسم.

من هذه المادة يتم تصميم ملابس رجال الفضاء, وتمتاز المادة بالإضافة إلى ذلك بليونتها مع قوتها فيمكن مثلاُ ثنيها ولكن يصعب قطعها, وقد تطور استعمال هذه المادة طبياً فأصبح يتم منها عمل شرايين صناعية ودعامات صناعية للقلب والكلى وفي العين أصبحت تستخدم كبديل لبعض أنسجة العين مثل القزحية, ويساعد استخدام مادة "الجورتكس" في بعض حالات ارتخاء الجفون على نمو وصلة طبيعية من العضلات ما بين عضلة الحاجب وعضلة الجفن.

ارتخاء الجفون العلوية المكتسب عند الشباب:

ويمثل ذلك حوالي 20% من حالات ارتخاء الجفون العلوية ويحدث ذلك عند الشباب لسببين رئيسيين هما:

أولاً: حساسية العين المزمنة التي تؤدي إلى تضخم في أنسجة الملتحمة والجفن العلوي مما يؤدي إلى ارتخاء الجفن ميكانيكيا نتيجة لزيادة وزنه وهذا النوع يسهل علاجه دوائياً أو بشد عضلة الجفن من الداخل بدون جراحة أو فتح.

ثانياُ: استخدام العدسات اللاصقة لمدة تتراوح من سنة إلى أكثر حيث ينتج عن تكرار لبس وخلع العدسة اللاصقة حدوث إطالة في عضلة الجفن مما يؤدي إلى ضعفها تماماً مثلما يحدث عند إطالة شريط مطاطي (أستك) أكثر من اللازم, وهذا النوع من الارتخاء ظهر منذ منتصف الثمانينات بعد انتشار استخدام العدسات اللاصقة بصورة كبيرة ونسبته في زيادة مطردة مع التوسع في استخدام العدسات اللاصقة. ويسهل علاج هذا النوع من الارتخاء بشد عضلة الجفن من الداخل بدون جراحة أو فتح ويمكن للمريض استخدام العدسة مرة أخرى بعد ذلك إذا اقتضت الحاجة.

ارتخاء الجفون العلوية عند كبار السن:

ويمثل ذلك حوالي 30% من حالات ارتخاء الجفون ويحدث عادة بعد سن الخمسين في الجنسين وتزيد النسبة بصورة كبيرة عند المدخنين أو نتيجة للتعرض للشمس لفترات طويلة وبعد عمليات المياه البيضاء وعادة ما يصيب هذا النوع  من الارتخاء العينين معا ويحدث بصورة تدريجية ويكون مصحوباً في حالات كثيرة بتهدل في أنسجة الجفن ككل وبتهدل في الجفون السفلية أيضاً مع وجود جيوب دهنية (انتفاخات) في منطقة الجفون السفلية.

وعادة ما يبدأ المريض بالشكوى نتيجة عدم استطاعته القراءة لمدة طويلة حيث أن مستوى الجفن يكون منخفضاً عند النظر لأسفل (مثلاً أثناء القرأءة) أكثر منه عند النظر للأمام أو لأعلى على عكس المعتقد, وبالتالي يلجأ المريض لتغيير نظارة القراءة عدة مرات ظناً منه أن السبب هو ضعف نظارة القراءة بدون أن يتنبه إلى حدوث ارتخاء أو سقوط في مستوى الجفن خاصة وأن حدوثه بصورة تدريجية يجعل من الصعب على المريض أو المحيطين به ملاحظته في مراحله الأولى.

ومن أكثر الطرق التي تجعل المريض يتنبه إلى ذلك هو تغير شكل العينين في الصور الملتقطة للمريض مثل رخصة القيادة وعادة ما يطلب الطبيب من المريض المقارنة بين صورة حديثة وأخرى قديمة لملاحظة الفرق بين مستوى الجفون.

أما الشكوى الأخرى لمرضى ارتخاء الجفون بعد الخمسين فهي الصداع في جبهة الرأس, وسبب ذلك هو لجوء المخ لا إرادياً وبدون وعي من المريض إلى انقباض عضلة الحاجب وعضلات الجبهة بصورة مستمرة لمحاولة رفع الجفن المرتخي مما يؤدي إلى تقلص عضلة الحاجب وظهور خطوط (تجاعيد) أفقية في الجبهة مما يسبب صداعاً مستمراً خصوصاً عند القراءة أو مشاهدة التليفزيون أو استخدام الكمبيوتر أو القيادة لمسافات طويلة.

ويتم علاج ارتخاء الجفون بعد سن الخمسين جراحياً باستخدام تخدير موضعي حيث يتم رفع الجفن داخل غرفة العمليات, ثم يقف المريض ويلاحظ مستوى الجفن بعد الرفع مع الطبيب الجراح وعندما يكون مستوى الجفن سليما تتم خياطته وتثبيته بصورة تجميلية.

أما إذا احتاج لزيادة الرفع فيتم إجراء ذلك في نفس الوقت بدون الخروج من غرفة العمليات.

ويتكرر الأمر عدة مرات حتى يستقر الجراح مع المريض على المستوى المطلوب... وفي أغلب الحالات يتم التعامل مع تهدل الجفون والانتفاخات بالجفون السفلية في نفس الوقت وبتخدير موضعي أيضاً.